بعد تراجعه أسبوعين متتاليين .. ماذا يحدث في سوق النفط العالمي؟
تم النشربتاريخ : 2020-09-15
عادت أسعار النفط لتحتل عناوين الأخبار من جديد مع تراجع ملحوظ للأسعار على مدار الأسبوعين الماضيين، وسط قلق متزايد بشأن تخمة المعروض من الخام.
وبعد تعاف ملحوظ للأسعار خلال الأشهر الماضية، يبدو أن التحسن الذي شهده الطلب على النفط بات في خطر مع استمرار المستويات المرتفعة من المخزونات.
هبوط قوي للأسعار
رغم تعافي أسواق النفط من الانهيار غير المسبوق في الطلب والأسعار خلال شهر أبريل الماضي، إلا أن درجة التفاؤل التي كانت تسيطر على المستثمرين تحولت إلى النقيض بشكل ملحوظ في الفترة الماضية.
شهدت أسعار النفط تراجعاً ملحوظاً في الأيام الماضية، لتسجل أول هبوط لأسبوعين متتاليين منذ شهر يونيو الماضي، وسط إشارات مقلقة حيال تباطؤ الطلب وتخمة المعروض.
خلال الأسبوعين الماضيين، تراجع سعر خام برنت القياسي بنسبة 11.6% منخفضاً من أعلى 45 دولاراً إلى أقل من 40 دولاراً لأول مرة منذ يونيو.
كما هبط سعر خام نايمكس الأمريكي من مستوى قرب 43 دولاراً قبل أسبوعين إلى نحو 37.3 دولار بنهاية الحادي عشر من سبتمبر، ما يمثل انخفاضاً يتجاوز 13%.
خسائر النفط جاءت بعد تحسن ملحوظ في الأسعار خلال الخمسة أشهر الماضية بدعم خفض المعروض من جانب منظمة أوبك وحلفائها، واضطرارالشركات المنتجة للنفط الصخري لتقليص الإنتاج بفعل تراجع الأسعار.
لكن عودة المخاوف حيال تخمة المعروض من النفط، بالإضافة إلى حالة التقلبات الحادة في سوق الأسهم الأمريكي والتي قلصت شهية المخاطرة لدى المستثمرين، دفعت الخام للعودة إلى الخسائر في الفترة الماضية.
تشاؤم بشأن الطلب
عاد القلق لسوق النفط مع توقف حالة التعافي في الطلب على النفط ليقود تشاؤم المستثمرين بشأن الخام، خاصة مع ارتفاع حالات الإصابة بالفيروس في بعض البلدان الأوروبية وظهور بؤر جديدة في الولايات المتحدة وعدم تطوير لقاح ضد الوباء حتى الآن.
خفضت وكالة الطاقة الدولية تقديراتها للطلب العالمي على النفط لأول مرة في ثلاثة أشهر، لتتوقع انخفاض الاستهلاك بنحو 8.1 مليون برميل يومياً في العام الحالي مقارنة بالمسجل في 2019.
خفضُ توقعات الطلب من جانب وكالة الطاقة جاء مع استمرار ارتفاع حالات الإصابة بالفيروس عالمياً، بالإضافة إلى الضعف في قطاع الطيران وما يمثله ذلك من هبوط للطلب الخاص بالوقود.
تستمر معاناة شركات الطيران – والتي تمثل عادة جانباً رئيسياً من الطلب على النفط – مع استمرار تراجع حركة المسافرين وإعلان شركات كبرى مثل "أمريكان إيرلاينز" و"يونايتد إيرلاينز" و"فيرجن أتلانتيك" وغيرها تسريح الآلاف من الموظفين للتعامل مع الخسائر المادية الحادة.
شكلت عطلة عيد العمل في الولايات المتحدة في السابع من شهر سبتمبر الجاري نهاية ذروة موسم القيادة الصيفي في الولايات المتحدة، وهو ما قاد نوعاً من التعافي للطلب على البنزين خلال الفترة الماضية.
عاد الطلب على البنزين في الولايات المتحدة للتراجع خلال الأسبوعين الماضيين، منخفضا بنحو 1.9 مليون برميل في الأسبوع الأخير من أغسطس ومتراجعاً 400 ألف برميل في أول أسبوع من سبتمبر.
في الهند تراجعت مبيعات الوقود المستخدم في النقل بنسبة 20% في أغسطس مقارنة بنفس الشهر قبل عام، مع ارتفاع عدد حالات الإصابة بالفيروس واحتلالها المرتبة الثانية في قائمة الإصابات بعد الولايات المتحدة.
وحتى في الصين والتي كانت تشهد حماساً ملحوظاً في الأشهر الماضية لشراء النفط استغلالاً للأسعار المنخفضة، بدأ الطلب في التباطؤ مجدداً.
أظهرت بيانات هيئة الجمارك الصينية أن واردات البلاد من النفط الخام تراجعت للشهر الثاني على التوالي في أغسطس الماضي، لتصل إلى 11.2 مليون برميل يومياً، بعد أن سجلت مستوى قياسياً في يونيو.
تخمة المعروض من جديد
أقر تحالف "أوبك بلس" تقليص وتيرة خفض إمدادات النفط بداية من شهر أغسطس الماضي إلى 7.7 مليون برميل يومياً، بدلاً من الخفض التاريخي البالغ 9.7 مليون برميل سابقاً.
ومع السماح بزيادة الإمدادات عبر تخفيف وتيرة خفض الإنتاج، وتوقف حالة التعافي بالنسبة للطلب على النفط، فإن تخمة المعروض بدأت تطل برأسها من جديد في السوق العالمي للخام.
يستأجر كبار تجار النفط حول العالم عشرات الناقلات العملاقة لتخزين محتمل للنفط في البحر، وسط إشارات تباطؤ تعافي الطلب على الخام.
استأجرت شركة "ترافيجورا" 12 ناقلة نفط عملاقة قادرة على تخزين 24 مليون برميل من الخام، كما قامت شركات مثل "فيتول جروب" و"رويال داتش شل" و"لوك أويل" باستئجار 18 ناقلة عملاقة أخرى.
بينما على جانب المخزونات الأمريكية من النفط، فرغم تراجعها بنحو 8% عن الذروة المسجلة في يونيو الماضي فإنها لا تزال تقف عند أعلى مستوياته لهذا الوقت من العام منذ 1991 على الأقل.
وشهد الأسبوع المنتهي في الرابع من شهر سبتمبر الجاري ارتفاعاً للمخزونات الأمريكية من النفط الخام بنحو مليوني برميل، وهو ما جاء عكس التوقعات التي كانت تشير إلى هبوط المخزون.
إلى أين يتجه الخام؟
يتوقف أداء سوق النفط على تطورات وباء "كورونا" ومدى سرعة تعافي حركة السفر والتنقل والعودة إلى الحياة الطبيعية وما قد يعنيه ذلك بالنسبة لخروج الاقتصاد العالمي من حالة الركود الحالية.
يعتقد محللو "بنك أوف أمريكا" أن الأمر سيتطلب نحو ثلاث سنوات من أجل تعافي الطلب العالمي على النفط لمستويات ما قبل ظهور "كوفيد-19"، وذلك بافتراض اكتشاف لقاح أو علاج للفيروس.
يعقد تحالف "أوبك بلس" الذي يضم أعضاء منظمة الدول المصدرة للنفط وحلفائها من المنتجين اجتماعاً في الأسبوع الجاري لرصد ما إذا كان اتفاق خفض الإنتاج نجح في تقليص تخمة المعروض.
خفضت وكالة "فيتش" توقعاتها لأسعار النفط في عام 2022، حيث قلصت تقديرات سعر خام برنت إلى 50 دولاراً من 53 دولاراً سابقاً، وخام نايمكس من 50 دولاراً إلى 47 دولاراً.
بررت الوكالة قرار خفض توقعات الأسعار بالقدرات الإنتاجية غير المستغلة، واستمرار المخزونات المرتفعة من الخام بفعل وباء "كورونا".
بصفة عامة، لا يزال سوق النفط يشهد "الكثير من المعروض الذي يطارد قليلا من الطلب"، وهو ما وضع ضغوطاً هبوطية على الأسعار في الفترة الماضية، كما يهدد بمزيد من التراجع خلال الأيام المقبلة إلا في حال حدوث تغيرات تتعلق بالطلب الضعيف أو فائض المعروض.